كتب طلحة إسماعيل دُمان أنّ لبنان يواجه اليوم خطر الانزلاق نحو حرب جديدة مع إسرائيل، وهذه المرة تبدو الأزمة أعمق من صراعات موسمية — إذ يجري الضغط على نزع سلاح حزب الله عبر وسائل دبلوماسية وعسكرية في آن واحد، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي خرق التهدئة يومياً باغتيالات وجولات قصف وتوسعات جغرافية في عمليات “تكتيكية” تمهّد لتصعيد أوسع. المصدر لهذا التحليل هو صحيفة ديلي صباح.

 

من اغتيال قيادة إلى تهديدات استراتيجية

 

اغتيال القيادي العسكري البارز في حزب الله، هيثم علي طباباي، لم يكن عملاً عشوائيّاً بل رسالة: أن التهدئة مجرد وقفة وقتية لإعادة ترتيب الأدوار، لا التزام دائم بالوقف. إسرائيل تبدّل من منطق الردع المتوازن إلى منطق "إضعاف الخصم بنزع قدراته" في محاولة لمنع الحزب من أن يُعيد تنظيم قوته الدافعة. هذا الأسلوب — تصعيد مقصود لا تفاوض حقيقي — يشكل تهديداً وجودياً لحزب الله على المدى الطويل، ويزيد مخاطر حرب شاملة في لبنان.

 

إلى جانب الضغوط العسكرية، أخذ التنسيق الدبلوماسي شكلاً عدوانياً أكثر وضوحاً. لعبت مصر، ضمن توجه أوسع بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، دوراً نشطاً في الضغط على لبنان لتطبيق نزع سلاح حزب الله بصورة شاملة، وليس مجرد تجميد الأسلحة. فبعد زيارة وزير خارجية مصر إلى بيروت، رفضت الرسائل السابقة التي طالبت بضبط الوضع، واستبدلت بطلبات تسليم سلاح حزب الله كشرط لأي صفقة استقرار مستقبلية. هذا التحوّل الدبلوماسي يشير إلى أن بعض الدول العربية لم تعد وسيطاً محايداً بل طرفاً في صناعة الاستقرار على مقاس أمن إسرائيلي.

 

هشاشة الدولة اللبنانية وتردد المؤسسة العسكرية

 

نفّذت الحكومة اللبنانية — رغم وجود رئيس وزراء وتحالفات سياسية جديدة — خطة نزع الأسلحة الوطنية بحذر شديد، بسبب خشيتها من إحداث فراغ أمني ينزلق إلى حرب أهلية. رفض الرئيس ميشال عون فرض تسليم السلاح بالقوة عبر الجيش كان قراراً حكيماً، لكن رد فعل ممثّل قيادة الجيش أظهر هشاشة مؤسسات الدولة أمام ضغط خارجي: بعد اتحاد قيادات الجيش في رفض خروقات إسرائيل، أُلغيت زيارة قائد الجيش إلى واشنطن فجأة، ما أثار تساؤلات عن تدخل خارجي في قيادة الجيش. هذا التدخّل يُظهر أن لبنان لم يعد في موقع قوة، بل في موضع استهداف مستمر للتفكيك من الداخل.

 

الضغوط الخارجية والداخلية على حد سواء جعلت من "نزع السلاح" مشروعًا سياسيًا يمسّ الأمن الداخلي والاجتماعي للبنان. تكاثر اغتيالات قيادية، واستنزاف موارد حزب الله المالية، واستنزاف شرعية الدولة وسط تقاعسها عن حماية مواطنيها، خلق مزيجًا خطيرًا من الإحباط العام والقلق من حرب شاملة.

 

خيارات حزب الله المتضائلة والمخاطر المتصاعدة

 

بعد حرب غزة، تبنى حزب الله ما يُسمى بـ"الصبر الاستراتيجي": تفادى الرد المباشر رغم الضغوط المتكررة من إسرائيل خوفًا من حرب قد تدمر لبنان. لكن هذا الصبر الريادي يأتي بتكلفة باهظة — تآكل في القوى العسكرية، تراجع في التأييد الشعبي للمواجهات، وضغوط اقتصادية وسياسية رهيبة.

 

مع ذلك، يبقى الزمن يلعب ضد الحزب: كل إغتيال، وكل تهديد بحري أو بري، وكل ضربة على البنية التحتية العسكرية تُقوّض إمكانياته دفاعياً واستراتيجياً. إن استمر الضغط بهذه الوتيرة، قد يجد الحزب نفسه — ليس أمام خيار المبادرة — بل أمام خيار الرد القسري دفاعاً عن وجوده. لكن الحرب التي قد تُشعلها إسرائيل ليست حكراً على لبنان فقط: التداعيات الإقليمية قد تُعمّم الصراع على عدة دول، مع العودة إلى نمط من المواجهات الشاملة التي تفوق بآلاف المرات ما شهده لبنان في حرب 2006.

 

في هذا السياق، يرى البعض أن انتخابات عام 2026 قد تكون آخر ملاذ سياسي لمنع اندلاع حرب مدمّرة. إذا نجح حزب الله في تحقيق انتصار انتخابي يعيد نفوذه السياسي، قد يستخدم ذلك كدرع يمنع تسليم السلاح عبر مؤسسات الدولة، ويُعيد إنتاج توازن معقد ولكنه ضروري لمنع اجتياح جديد. لكن إسرائيل تدرك جيداً هذا التوقيت، وربما تستغل الشهور القادمة لضرب ما يمكن ضربه قبل أن تضعف نافذة الهجوم.

 

تهديد سيادة لبنان وتناقض الممارسة

 

لبنان يعلن سيادة وطنية، لكنه عمليًا لا يملك قوة تمنع الاعتداءات المتكررة، سواء من الداخل أو الخارج. الدولة تركّز على نزع سلاح القوت الدفاعي الأساسي — بينما تستمر إسرائيل في خرق الحدود، وتوسيع عدوانها، وتصعيد تهديداتها. هذا التناقض يعكس انهيار ركيزة الدولة: تقول شعارات السيادة لكنها تفتقد القدرة على حماية أرضها وشعبها.

 

إذا أقدم العالم على شن حرب استباقية مدعومة أميركيًا ضد حزب الله، لا يجري ترتيب المعركة في لبنان فقط، بل تُفتّت أرض المواجهة على كامل الشرق الأوسط. لبنان قد يعود ساحة نزاع عابرة للحدود، ويُختزل دوره كضحية تُستغل مصالح دولية على حساب حياته ومستقبله.

 

في نهاية المطاف، لا تبدو مسألة نزع سلاح حزب الله مجرد قرار أمني أو سياسي — بل تجربة مُعبّرة عن كيفية إدارة القوى الكبرى لصراعات الشرق الأوسط: عبر اغتيالات، تهميش الدولة، وأزمات اقتصادية تُنفخ فيها رياح السفه حتى تنفجر في وجه المواطن.

 

https://www.dailysabah.com/opinion/op-ed/politics-of-disarmament-in-lebanon-how-israels-killings-are-reshaping-hezbollah/amp